“حروب أمريكا بالوكالة”.. إرث من الفشل المتكرر يستدعي التحول إلى “التنمية والتعاون”

 

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إنه على الرغم من الاختلافات السياسية للإدارات المُتعاقبة لرؤساء الولايات المتحدة جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب لتحقيق التوازن بين أهداف أمريكا الأمنية الموسعة في الشرق الأوسط والموارد المحدودة المتاحة لتحقيقها، إلا أنَّ أهداف سياستهم المتطرفة لم تكن تهدف وحسب إلى التخفيف من مخاطر وقوع هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية، لكن أيضاً القضاء على تنظيمات إرهابية مثل القاعدة و”داعش”، أينما وجدت، ولكن لمُمارسة الكثير من الضغط على النظام الإيراني.

وفي مقالة بقلم ألكسندرا ستارك الباحثة الأولى في برنامج الإصلاح السياسي في مؤسسة “نيو أمريكا” البحثية، تقول ستارك إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أدركت، في الوقت نفسه، أنه من غير الممكن سياسيًا استخدام أقصى قدر من الموارد في السعي لتحقيق هذه الأهداف. فبعد التدخل الكارثي في ​​العراق، أصبح وضع الجنود الأمريكيين على الأرض- وبالتالي المخاطرة بسقوط ضحايا والغرق في المستنقع- غير مقبول سياسيًا. ونتيجة لذلك، سعى صناع السياسة في الولايات المتحدة إلى حل وسط.

وفي حين أن هذا النهج أطلقت عليه مسميات عدة على مر السنين، لكن يظل هو نفسه إلى حد ما، ويتمثل في تمكين الجهات الفاعلة المحلية من خلال الدعم من قوات العمليات الخاصة الأمريكية، والتدريب، ونقل الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وهكذا دواليك لخوض حروب لا يستطيع الأمريكيون خوضها أو- بالأحرى- لا يريدون خوضها. وفي الشرق الأوسط، تجسد ذلك من خلال تسليح جهات فاعلة بالوكالة في بعض الأماكن، مثل سوريا، وتمكين الشركاء الأمنيين من القيام بذلك أو التدخل مباشرة في مناطق أخرى، مثل اليمن وليبيا.

لكن هذه الحروب بالوكالة لم تحقق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، بل إنها فعلت النقيض في بعض الحالات. ويميل منتقدو السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط الكبير إلى التركيز على “إنهاء الحروب التي لا نهاية لها”. وهذه خطوة حاسمة، لكن السياسة الأمريكية يجب أن تتجاوز إنهاء هذه الحروب. فقد فشل نهج “الحرب بالوكالة” في نزاعات الشرق الأوسط، وحان الوقت للتركيز على استراتيجية جديدة تركز على الاستثمارات الكبرى في التنمية والدبلوماسية.

وذكرت ألكسندرا ستارك كاتبة المقال أنَّه من خلال بحثها، وجدت أن الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة في المنطقة، لاسيما الدول الخليجية، يفهمون بالفعل أوجه القصور في مناهجهم الخاصة بالحرب بالوكالة. فعندما أطاحت ثورات “الربيع العربي” بحكومات في المنطقة عام 2011، رأت قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في حالة عدم الاستقرار فرصة لكسب النفوذ الإقليمي، من خلال استبدال المعارضين بأنظمة “أكثر ودية”. ومع ذلك، وبدلاً من تحقيق انتصارات سريعة في ليبيا وسوريا- كما كانوا يأملون- وجدت هذه الدول نفسها عالقة في مستنقع ضحل دون أمل في تحقيق نصر صريح. وبدلاً من ذلك، قام الوكلاء الإقليميون بتحويل النزاعات المحلية إلى حروب إقليمية مزعزعة للاستقرار تمتد عبر الحدود. وساهموا في مستويات هائلة من النزوح البشري، مع تأثيرات كبيرة على السياسات المحلية للبلدان التي يصل إليها اللاجئون.

وفي ليبيا وأماكن أخرى، تسببت الحرب بالوكالة في تدمير الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة وكان لها آثار سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة دفعت إلى إطالة أمد النزاعات، فضلاً عن استقطاب شركائها الأمنيين إلى صراعات تضعهم في موضع أقل أمانًا. وهذا النهج لم يسمح حتى للإدارات الأمريكية المتعاقبة بالانسحاب من المنطقة، وبدلاً من ذلك، انجرفت الولايات المتحدة إلى عدة صراعات، من العودة إلى العراق في عام 2014 بعد صعود تنظيم داعش إلى تقديم الدعم اللوجستي العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وفي مواجهة هذا الإرث من الفشل، يجب على الولايات المتحدة التخلي عن نهج تقسيم الفرق والبدء في نوع مختلف تمامًا من التعامل، يتمحور حول القيادة الدبلوماسية.

وتختتم الكاتبة مقالتها، بالتأكيد على أن سياسة للشرق الأوسط ترتكز في جوهرها على تعزيز رفاهية الفرد، بدلاً من أهداف أمنية محددة بدقة، ستكون حاسمة لضمان إنهاء الحروب بالوكالة إلى الأبد. وتُظهر الأبحاث أن إمكانية نشوب صراعات أهلية، تمثل الخطر الأكثر احتمالًا في الدول التي عانت مؤخرًا من الفقر وسوء الإدارة وعدم الاستقرار السياسي والضعف المؤسسي، وهي عوامل غالبًا ما تكون هي نفسها آثار الحروب. بمعنى آخر، إن الصراع يولد الصراع، وإذا فشل المجتمع الدولي في تنفيذ تدابير لمنع تكرار الصراع، فستستمر الحروب الأهلية في توفير الفرص للتدخلات والحروب بالوكالة.

انتهى

المصدر

www.ar.shafaqna.com
قد يعجبك ايضا
Loading...