اِلتأم عدد من المفتشات والمفتشين المنتمين إلى نقابات مركزية وقطاعية ذات تمثيلية قانونية، وآخرون بدون انتماء نقابي، في إطار التنسيق بين أربع هيئات نقابية، من أجل التعبير عن رفضهم لمضامين النظام الأساسي التراجعي. التنسيق النقابي المشار إليه ليس وليد هذه الظرفية، بل انخرط منذ أكثر من سنتين في محطات نضالية عديدة تخص هيئة التفتيش وعموم الشغيلة التعليمية. يشار إلى أن هذا التنسيق النقابي النوعي يجمع بين النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب المنضوية تحت لواء الجامعة الوطنية للتعليم في إطار الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، واللجنة الوطنية للمفتشات والمفتشين المنضوية في إطار الجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، والسكرتارية الوطنية للمفتشات والمفتشين الكونفدراليين المنتمين إلى النقابة الوطنية للتعليم تحت مظلة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، والسكرتارية الوطنية لهيئة التفتيش ضمن النقابة الوطنية للتعليم في إطار الفدرالية الديمقراطية للشغل (FDT).
وقد أجمع المفتشات والمفتشون، في إطار التنسيق النقابي المشار إليه أعلاه، على ضرورة التحرك بالسرعة والحكمة المطلوبتين للتصدي لمختلف التراجعات التي جاء بها مرسوم النظام الأساسي الجديد. وإذا كانت الساحة التعليمية شهدت غليانا غير مسبوق من طرف مختلف الهيئات العاملة ضمن وزارة التربية الوطنية، فإن سؤالا أساسيا وهاما طرح منذ أول لحظة لخروج تلك الهيئات للاحتجاج: لماذا لا يحتج المفتشون مثل باقي العاملين بالقطاع؟
إن طرح مثل هذا السؤال كان أمرا منطقيا وضروريا؛ فقد اعتبرت غالبية العاملين بوزارة التربية الوطنية أن عزوف هيئة التفتيش عن النضال وعن الالتحاق بصفوف المحتجين مرده إلى أن النظام الأساسي الجديد جاء بامتيازات كبيرة للهيئة وهو ما يفسر عدم انخراطها في الحراك الاحتجاجي القائم. لهذا التفسير وجاهته؛ فقد استند المنتقدون للهيئة على حالة الارتياح وغياب الحركة لدى عموم المفتشات والمفتشين من جهة، وعلى قراءات غير دقيقة وغير محايدة لما جاءت به وثيقة النظام الأساسي فيما يتعلق بهيئة التفتيش وخاصة مسألة التعويضات من جهة أخرى. يُضاف إلى ذلك ما صدر عن إحدى التنظيمات النقابية الممثلة لهيئة التفتيش التي زكت مضامين النظام الأساسي الجديد، واعتبرته “وثيقة إصلاحية من شأنها ترجمة سياسة عمومية رشيدة في قطاع التربية والتكوين”، وأكثر من ذلك دعا هذا التنظيم النقابي الوزارة إلى “التسريع بتفعيل هاته المقتضيات وأجرأتها عبر آليات ملموسة وعملية”، ومن خلال ذلك دعا منخرطيه إلى اعتبار أن هذه الوثيقة جاءت بمكاسب كثيرة للهيئة يجب القبول بها في انتظار المزيد. هذه العناصر الثلاث ساهمت في خلق رأي عام لدى الشغيلة التعليمية مفاده أن هيئة التفتيش راضية عن الوضع ما دامت حققت مكاسب عديدة، وبالتالي فخروجها للاحتجاج لن يكون منطقيا.
بالنسبة لمسألة تعويضات هيئة التفتيش التي جاء بها النظام الأساسي الجديد، فهي تعويضات تخص ما يسمى التعويض التكميلي عن التفتيش ولا علاقة لها بالزيادة في الراتب. هذا التعويض التكميلي الذي تم نشر قيمته المالية، فُهم على أن المبالغ المذكورة تمثل القيمة الإجمالية للزيادة. والحقيقة أن قيمة الزيادة هي الفرق بين مبلغ التعويض التكميلي في النظام الأساسي السابق (2003) وبين المبلغ المشار إليه في النظام الأساسي الجديد (2023)، دون إغفال أن المبالغ المذكورة في النظامين الأساسيين السابق والجديد هي مبالغ سنوية خام لم تخضع لحساب الضريبة على الدخل. وبعملية حسابية يتضح أن متوسط تلك الزيادة لن يتعدى ألف درهم شهريا، وهو مبلغ هزيل لا يرقى إلى تطلعات هيئة التفتيش، ولا إلى قيمة المسار التكويني والمهني الذي قطعته، ولا يتناسب مع الأعباء والإكراهات التي يتحملها المفتشات والمفتشون، مما يستدعي رفع قيمة هذا التعويض التكميلي بما يحقق الإنصاف لهذه الهيئة.
في مستوى آخر من الفهم، طغى على الساحة التعليمية غياب التمييز بين هيئة التفتيش وبين من يمثلها نقابيا. فقد ساد الاعتقاد أن المفتشات والمفتشين العاملين بوزارة التربية الوطنية، على اختلاف تخصصاتهم ومهامهم، يجمعهم تنظيم نقابي وحيد. والحقيقة أنهم موزعون، مثل باقي مكونات الشغيلة التعليمية، على عدة تنظيمات نقابية. منهم من ينتمي إلى مركزيات نقابية أو قطاعية، ومنهم من اختار تنظيمات يقال عنها مستقلة. لذلك فغياب صورة واضحة عن تموقع المفتشات والمفتشين ضمن تلك التنظيمات ساهم في ضبابية المشهد حول الواقع النضالي والنقابي للهيئة، نتج عنه تعميم مواقف تنظيم نقابي بعينه على هيئة التفتيش برمتها.
إضافة إلى السؤال السابق (لماذا لا يحتج المفتشون؟)، يُطرح سؤال آخر: لماذا تأخر المفتشون الغاضبون من مضامين النظام الأساسي الجديد في الخروج إلى الاحتجاج؟ للجواب عن هذا السؤال لا بد من استحضار أن الحركية النقابية والنضالية للمفتشات والمفتشين داخل المركزيات النقابية والقطاعية، تتميز باستحضار بعض العناصر عند محاولة القيام برد فعل معين، مثلما هو الحال في الموقف من النظام الأساسي الجديد. أولى هذه العناصر هي الرؤية الشمولية بدل النظرة الفئوية الضيقة؛ فالمفروض فيمن ينتمي إلى نقابة مركزية أو قطاعية أن يربط موقفه من أية وثيقة “للإصلاح”، تهم العاملين بوزارة التربية الوطنية، باستحضار مسألة أننا ننتمي إلى قطاع الوظيفة العمومية. وبالتالي فأي “إصلاح” يضرب هذا البعد وجب الوقوف ضده، لأنه يدخل في إطار مسلسل تخريبي للوظيفة العمومية، الذي انطلق منذ عقود، تنفيذا لتعليمات المؤسسات الدولية المانحة للقروض، وهو ما قد يساهم في تأزيم وضع المدرسة العمومية. العنصر الثاني يتمثل في مدى تحقيق “الوثيقة الإصلاحية” لمسألتي الإنصاف والعدالة لكل العاملين بوزارة التربية الوطنية، بما يعود على المدرسة العمومية بالمنفعة على مستوى الاستقرار الاجتماعي وديمومة الخدمة العمومية واستمراريتها، وذلك لأننا نعتبر أنفسنا جزء لا يتجزأ عن الشغيلة التعليمية. العنصر الثالث يتمثل في موقع هيئة التفتيش ضمن النظام الأساسي الجديد، والمكتسبات التي تم الحفاظ عليها وتلك التي تم تحقيقها. بتجميع هذه العناصر الثلاث يتضح أن القيام برد فعل موضوعي يتطلب الجمع بين قراءات متعددة “للوثيقة الإصلاحية” لاستخلاص عناصر قوتها وضعفها، ومكاسبها وما خسرته الهيئة في هذا “الإصلاح” المزعوم. باستحضار كل ذلك، ولقيام رد فعل احتجاجي معبر عن حالة الإحباط لدى هيئة التفتيش المنتمية إلى تنظيمات نقابية مختلفة، يلزم وقت تُعقد فيه اللقاءات والمشاورات بين المعنيين بالأمر، وعلى ضوئها يتم اتخاذ ما يراه التنظيم النقابي الخاص بالمفتشات والمفتشين مناسبا.
لكل ما سبق، قرر التنسيق النقابي المكون من النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب المنضوية ضمن الجامعة الوطنية للتعليم في إطار الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، واللجنة الوطنية للمفتشات والمفتشين المنضوية في إطار الجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، والسكرتارية الوطنية للمفتشات والمفتشين الكونفدراليين المنتمين إلى النقابة الوطنية للتعليم تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، والسكرتارية الوطنية لهيئة التفتيش ضمن النقابة الوطنية للتعليم في إطار الفدرالية الديمقراطية للشغل (FDT) -قرر- تقريب وجهات النظر وتوحيد الرؤى من أجل الاصطفاف لمواجهة هذا النظام الأساسي التراجعي، الذي أجمعت غالبية المفتشات والمفتشين على رفضه والوقوف صفا واحدا حتى تحقيق مطالب الهيئة، وفي مقدمتها الاستقلالية الوظيفية عن جهاز التدبير والعمل تحت إشراف المفتشية العامة جهويا وإقليميا، ومعها تحقيق مطالب كل الشغيلة التعليمية. لذلك تقرر تسطير برنامج نضالي، في إطار التنسيق النقابي المذكور، يُفتتح بتجسيد يوم احتجاجي للمفتشات والمفتشين، يُتوج بوقفة احتجاجية حاشدة أمام مقر وزارة التربية الوطنية بالرباط، يوم الخميس 30 نونبر الجاري، من أجل إسماع صوت المفتشات والمفتشين وتأكيد التحامهم بقضايا المدرسة العمومية والشغيلة التعليمية.
خالد التوزاني
عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب